سياسات التعديل الهيكلي في الجزائر برنامج و آثار أ.د. مدني بن شهرةالأستاذ : مدنى بن شهرة – عميد كلية العلوم الإنسانية و العلوم الاجتماعية جامعة ابن خلدون – تيارت – الجمهورية الجزائرية
تمهيـــــــــــد :
في مطلع السبعينات بدأت العلاقات الاقتصادية الدولية تتغير و خاصة بعد الأزمة العالمية البترولية التي أدت إلى حالة الركود الاقتصادي التضخمي و تفاقم أزمة البطالة في الاقتصاديات الغربية المصنعة حتى بعد تعافي النمو الاقتصادي ، مما أنتج ظاهرة النمو بلا تشغيل و تفسر الدوائر الرسمية الاقتصادية أن انتشار ظاهرة البطالة تعود إلى صدمة أسعار النفط و إلى جمود أسواق العمل في الاقتصاديات الأوربية مما ساعد على إطلاق يد الشركات في تقليص العمالة . حيث في سنتى1974،1973 ازدادت أسعار النفط مما أدى إلى تفاقم إلى حد كبير في اختلال ميزان المدفوعات في البلدان النامية المستوردة (1) للنفط حيث أن العجز المالي في ميزانية المدفوعات متحدة لهذه البلدان بلغ 30 مليار دولار بين سنتي 74-76 ، و هدد النظام المصرفي و المالي العالمي بالانهيار ازدادت المديونية الخارجية لهذه البلدان و كانت ديون الدول النامية سنة 1970 نحو 60 مليار دولار ، و بعد عشر سنوات و صلت سنة 80 إلى 481 مليار دولار لتصل سنة 1996 إلى 2000 مليار دولار (2)
و توقفت المؤسسات المالية عن الاقتراض لهذه البلدان نتيجة تفاقم الديون مما أدى إلى تهديد للتجارة العالمية و خاصة البنية التجارية التي تكرست لصالح البلدان المصنعة ، كما أن عجز في ميزان المدفوعات للبلدان النامية يؤدي حتما إلى عدم قدرة هذه البلدان على الاستمرار في شراء منتوجات الدول المصنعة ، مما جعل الدول الأكثر تصنيعا (3) في العالم إلى انتهاج سياسة جديدة اتجاه هذه الدول و منها طلب الدول المصنعة من الصندوق النقد الدولي و البنك العالمي إجراء سياسة جديدة و تبني دورا جديدا يتمثل في حماية النظام المصرفي العالمي و منها بدأت سياسة الاقتراض بالشروط الموضوعة من قبل صندوق النقد الدولي من أجل النهوض باقتصادياتها أي اتباع سياسة الإصلاح الاقتصادي جديدة بالإضافة إلى سياسات التثبيت الاقتصادي، و بالتالي فإن اللجوء إلى الاقتراض الخارجي للدول النامية من قبل الدول المتقدمة لابد و أن يمر عن طريق هذين الهيئتين و المؤسسات المالية التابعة لهما ، بحيث يعتبر الصندوق هو الضامن الوحيد عند الاقتراض .
إن سياسة الإصلاح الهادفة إلى تغيير الوضع الاقتصادي من حالة متدهورة إلى حالة أفضل انسب متميزة بالأداء والفعالية في الإنتاج و التسيير بهدف تحسين مستوى العام للاقتصاد ، إلا أن هذه الإصلاحات تثبت في مجملها نموذج اقتصاد يتميز بالمبادرة الجريئة ,و بالتالي الحاجة الماسة إلى مساعدات مالية و تقنية من المؤسسات المالية الدولية من أجل تفعيل مختلف عناصر الاقتصاد الوطني إن الإصلاحات تحتوي على تغييرات جذرية في منهج الدولة السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي بحيث تشمل هذه السياسة على ديمقراطية سياسية وحرية اقتصادية تؤدي إلى تغيير سلوك الأفراد ووحدات الإنتاج (4) ,إن المؤسسات المالية الدولية تبنت سياسات الإصلاح الاقتصادي و قد أخذت على عاتقها نوعين من الإصلاح الاقتصادي في الجزائر إحداهما لآجال القصيرة و الثانية لآجال المتوسطة والطويلة و تسمى الأولى بسياسات التثبيت الاقتصادي و الثانية بسياسة التصحيح الهيكلي أو التعديل الهيكلي
ويلاحظ أن الصندوق النقد الدولي قد عقد مع الحكومات الجزائرية عدة برامج للتثبيت الاقتصادي منذ بداية السبعينات منها على سبيل الذكر : 1993،1989،1978،1977 ، وقد صاحب تطبيق هذا البرنامج عدة آثار اقتصادية و اجتماعية.
اولا تصميم سياسة التعديل الهيكلي
إن صندوق النقد الدولي يستمد في تصميم سياسات التعديل الهيكلي إلى مجموعة من الأسس النظرية و خاصة الدراسات التي قام بها بولاك 1957 (11) منها دراسة التحليل النقدي لميزان المدفوعات .
إن الأزمة الرأسمالية في السبعينات و الجدول الفكري الذي انتهجته حول أسبابها و تفسير ظواهرها بما فيها التضخم ، الركود ، هذا الجدول أفرز تيارا فكريا جديدا في المنظومة الرأسمالية و هو ما يطلق عليه التيار النقدي « Monétarisme » و على رأسه الاقتصادي مليتون فريدمان و هو تيار يندمج ضمن المدرسة النيوكلاسيكية و يحمل المبادئ العامة للنظام الرأسمالي من حيث الحرية الاقتصادية و تقليص دور الدولة في النشاط الاقتصادي و الاعتماد على اقتصاديات العرض و أعطى أهمية كبيرة للنقود في تغيير و علاج التضخم و هو ما أدى إلى تبني السياسة الإصلاحية من قبل صندوق النقد الدولي التي تهدف إلى معالجة الاختلالات في توازن الاقتصاد الكلي داخليا و خارجيا و الوصول إلى معدلات النمو العالية مع تحقيق الاستقرار الاقتصادي .كما يرجع صندوق النقد الدولي بتصميم سياسات التصحيح إلى دراسة الاختلالات التي تواجه موازين المدفوعات و التي يقسمها إلى نوعين الأول وهو الاختلال قصير الأجل و يمكن تصحيحيه في مدة لا تتعدى سنتين أما الثاني فهو الاختلال طويل الأجل الذي يعكس وجود عوائق هيكلية للنمو الاقتصادي و تراكم كبير للمديونية الخارجية بحيث لا يمكن الرجوع إلى الحالة التوازنية إلا في إطار انتهاج سياسة متوسطة أو طويلة الأجل و يلاحظ أن صندوق النقد الدولي يعالج النوع الأول من الإختلالات عن طريقة سياسة جانب الطلب أو ما يسمى سياسات التثبيت الاقتصادية أو سياسات الاستقرار الاقتصادي و يعالج النوع الثاني من الإختلالات عن طريق سياسات جانب العرض أو ما يسمى السياسات التعديل الهيكلية.
وان من أهم محاور الاصلاح الهيكلى
1- إصلاح مؤسسات القطاع العام و وذلك بتخفيض النفقات الجارية للحكومات للتخفيف من إجراء تعبئة الموارد العمومية واستعمالها بطرق مثلى في تغطية الالتزامات العمومية كتجميد الأجور و المرتبات ، تخفيض من عدد عمال القطاع العام ، تغيير سياسة التشغيل المطبقة ، كما يجب تجميد كل أنواع الإعانات و الدعم للموارد الغذائية و الطاقة و إعطاء الاهتمام بالاستثمارات العائدية و الجديدة و الابتعاد عن آليات التمويل الداخلي واجراء إصلاح للنظام الضريبي مع تطبيق الضربية على الدخل الإجمالي على الأجور و زيادة الاشتراكات الموجهة إلى الضمان الاجتماعي ، رفع الضرائب على دخول المؤسسات و تغيير قيمة الضرائب على الأرباح مما يتناسب و الإصلاحات العامة كما يجب رفع الضرائب العقارية و الأملاك المدنية ، رفع الرسوم على المنتجات البترولية و على مختلف المبيعات مع تشجيع التخفيف أو حذف بعض رسوم الاستيراد كما يجب تطوير إدارة الضرائب لتعبئة الموارد الأكثر .كما تهدف سياسة صندوق النقد الدولي إلى تحسين الأداء الاقتصادي للمؤسسات العمومية بتطوير إنتاجها و هيكل أسعارها و إعطاء الأولوية للقطاع الخاص باعتباره صاحب الكفاءة الاقتصادية في استخدام الموارد و ذلك عن طريق تصفية و غلق المؤسسات العاجزة أو خوصصتها أو فتح رأسمالها إلى المشاركة الخاصة في إسهامها و تحسين مقاييس التسيير و المراقبة العامة لأن المؤسسات التابعة للقطاع العام تتميز بالعجز العام و عليه لابد من إحداث التغييرات العميقة من الاستقلالية و الخوصصة و تصفية المؤسسات المفلسة و تقليص تدخل الدولة في الأنشطة الإنتاجية و ترشيد الدعم لها .
2- الإصلاحات النقدية و المالية :
من مميزات اقتصاديات الدول التي تعاني من اختلالات هيكلية وجود نظام تشريعي و تنظيمي للنظام المالي لا يتماشى مع التطورات المرفقة لسياسة الإصلاحات لذلك فإن برنامج التعديل الهيكلي يحتوي على تعبئة مدخرات المجتمع و توجيهها نحو أكثر أنواع الاستثمار و خاصة الاستثمارات الخاصة المحلية و الأجنبية ، التوافق بين تحرير القطاع المالي و أدوات المراقبة النقدية و ذلك بسن مجموعة من التشريعات تنظم حركة رؤوس الأموال المحلية و الأجنبية من أجل الاستثمار الأجنبي . و تحسين نظام الأجهزة المصرفية و إدخال إصلاحات عصرية بحيث يخلف ميكانيزمات تحويلية جديدة تتماشى و مقياس العالمية على أن هذه الإصلاحات تمس، الاستقلالية الذاتية للبنوك المركزية , مع تعزيز المنافسة في النظام المصرفي واستخدام أنظمة جديدة متطورة لأسواق المال و الأوراق المالية لأن هذه الأخيرة تؤثر على النشاط الاقتصادي من خلال خلق للسيولة النقدية .
3- إصلاح نظام المدفوعات :
إن المحور الأساسي لسياسات التعديل الهيكلي هو نظام ميزان المدفوعات و هو سجل نظامي و كامل للصفقات الاقتصادية التي تتم بين المقيمين في بلد معين و المقيمين في بقية دول العالم ، خلال فترة زمنية معينة هي سنة في العادة (12) كما يقصد بالتوازن الاقتصادي لميزان المدفوعات الحالة التي "تتكافأ في ظلها الإيرادات التي تتحصل للدولة عن صادراتها من السلع و الخدمات و التحويلات الرأسمالية طويلة الأجل إلى الداخل مع المدفوعات الناشئة عن وارداتها من السلع و الخدمات و التحويلات الرأسمالية طويلة الأجل إلى الخارج "(13) و أن العجز في ميزان المدفوعات يعني أن الدولة تكون مدينة للخارج بمقدار ذلك العجز و بذلك هي في تبعية لغيرها باستمرار و لهذا العجز آثار اقتصادية واجتماعية من فقدان لقيمة البلد المدين , انخفاض الطلب على عملتها ، ضعفها بين الدول، انهيار السمعة الاقتصادية للبلد بين المؤسسات المالية و الدولية ، كل هذه الآثار لها انعكاسات على التنمية الاقتصادية ، حجم الاستثمار ، زيادة معدلات البطالة ......إلخ، نتيجة لتغطية العجز عن طريق الموارد المالية الخارجية ، إن تصحيح الاختلال في ميزان المدفوعات يتطلب إجراء تغييرات في نظام الأسعار و نظام الصرف ، احتياطات الصرف، وتغيير السلوك الاستهلاكي و تحسين منظومة القوانين لتسير و هيكلة المؤسسات .
4- إصلاح سياسة الأسعار :
من شروط الصندوق النقد الدولي الوصول إلى أسعار تنافسية حقيقية من خلال تحريرها داخليا و خارجيا على أن تكون الأسعار العالمية هي المرجعية لهذه الأسعار و إن أغلبية الدول النامية تعاني من ظاهرة الدعم الكامل أو الجزئي لكثير من مواد الاستهلاك المباشر أو السلع الوسطية لذلك فإن برنامج التعديل الهيكلي يوصي برفع الدعم لأسعار المنتجات الطاقوية .و التخفيض التدريجي للإعانات الممنوحة لأسعار السلع و الخدمات .وإلغاء كل أشكال الدعم المباشر أو الغير المباشر كذلك تحرير أسعار الخدمات و خاصة في مجال النقل و المواصلات و الاتصالات .
5- تحرير التجارة الخارجية :
يسعى صندوق النقد الدولي إلى تشجيع التجارة الخارجية بواسطة آليات سعر الصرف و إزالة العقبات أمام النفقات السلعية و الخدمات و ذلك تماشيا مع أهداف منظمة التجارة العالمية لذلك فإن برنامج التعديل الهيكلي يوصي بانتهاج سياسة أسعار الصرف تتماشى و الإصلاحات بشكل عام بحيث أن سعر الصرف له دور في تثبيت العجز في ميزان المدفوعات و يرى الصندوق أن العديد من البلدان التي تعاني من العجز تقوم بتحديد أسعار صرفها بطريقة حكومية و تحكمية لا تعكس حالة السوق لذا يوصي الصندوق النقد الدولي إلى إجراء في تخفيض العملة الوطنية من أجل توحيد سعر الصرف في السوق الرسمية و الموازنة إلا أن عملية التخفيض لها آثار على الصادرات و الواردات و كذلك تدفق رؤوس الأموال و التحويل الخارجية ، لذلك لابد من اتباع سياسة تخفيض من قيمة العملة و يكون تدريجيا . مع تحديد قائمة السلع الخاضعة للحماية الجمركية ، مع رفع كل القيود و التي من شأنها تعيق حركة سير الواردات . و اتباع سياسة لإصلاح التعريفات الجمركية و تركها تلعب دور حماية الاقتصاد على أن يتم تخفيضها حتى تتناسب مع المعدلات الدولية وفق اتفاقية المنظمة العالمية للتجارة .
ثانيا : علاقة الجزائر بصندوق النقد الدولي
انضمت الجزائر إلى صندوق النقد الدولي سنة 1963(14) و هي عضو في مجلس المحافظين و بلجنة الأربعة و العشرين التي تعد بمثابة نقابة داخل الصندوق وقد استخدمت الجزائر في العديد من المرات عمليات لحقوق السحب الخاصة و في سنة 1988 استخدمت القسط الاحتياطي بالصندوق نتيجة الأزمة الاقتصادية و الاجتماعية التي عرفتها الجزائر كما أنها استعملت الأقساط الكبيرة و عليه كانت هناك عدة اتفاقيات بين الحكومات الجزائرية و هيئة الصندوق النقد الدولي سواء في إطار سياسات التثبيت الاقتصادي وفي إطار سياسات التعديل الهيكلي.
إن لجوء الجزائر إلى هيئة الصندوق النقد الدولي و الرضوخ لشروطه جاء نتيجة تفاقم المديونية الخارجية و ما ترتب عنها من آثار على السياسة العامة للتنمية الاقتصادية (انخفاض النمو ،تعطيل الإنتاج ، زيادة البطالة ، زيادة الديون الداخلية للمؤسسات العمومية ....) إلا أن مدة مختلف الاتفاقيات قصيرة المدى غالبا ما كانت سنة لم تأتي بثمارها المرجوة خاصة من أجل الاستقرار الاقتصادي إلا أنه قد تحققت بعض الإنجازات مثل تحرير (15) أكثر من 75 من الأسعار الخاصة بكل فروع النشاط الاقتصادي وامتد ذلك إلى غاية جويلية 1992 وخاصة المواد الغذائية إلى جانب المواد الوسطية و الكمالية وإصدار بعض التشريعات (16) منها الخاصة و المنظمة للتجارة الخارجية و الداخلية و حركة رؤوس الأموال و تنظيم الجمارك و تشجيع الاستثمار الخارجي و فتح المنافسة الأجنبية في مجال قطاع المحروقات ، إلا أن ابتداء من سنة 1992 بدأت تظهر الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد الجزائري حيث زاد الاستهلاك الحكومي بـ 2 % من إجمالي الناتج المحلي نتيجة الدعم الحكومي للسلع الاستهلاكية الأساسية التي شكلت 5 % من إجمالي الناتج المحلي خلال الفترة 92-93 مما أدى بالجزائر إلى إصدار النقد لتغطية العجز في ميزانية الدولة و منها تغيير مقدار التضخم مما أدى إلى تغيير قيمة الدينار بسبب ارتفاع في الكتلة النقدية بحوالي 21.2 % كما أن نسبة البطالة وصلت إلى 23.2% وقد ساهم الانخفاض الحاد لأسعار المحروقات في إحداث آثار على ميزان المدفوعات ،لأن الاقتصاد الجزائري يعتمد بالدرجة الأولى على الصادرات من المحروقات مما زادت أعباء الديون الخارجية و خدمة الدين الذي بلغ 86% سنة 1993 بعدما كان 76% في سنة 1992 كل هذه المشاكل أدت بالجزائر بالاستنجاد بصندوق النقد الدولي و الرضوخ مرة أخرى لشرطه على أن تكون الاتفاقية بشرطين : الأول ومدته الزمنية غالبا سنة و هي تدخل في إطار الاتفاق الثالث للاستقرار الاقتصادي أو ما يسمى بالتثبيت الاقتصادي و الاتفاق الثاني و تكون مدته أطول في إطار سياسة التعديل الهيكلي حيث وضعت الجزائر في إطار الاتفاق التثبيت الاقتصادي إستراتيجية تمثلت فى تحقيق االتوازنات التوازنات الداخلية و الخارجية برفع النمو للناتج الداخلي الخام بين %3 و 6% خلال سنة 94-95 و منه تحقيق معدل التضخم و ذلك باستخدام إعادة توازن الأسعار و مراجعتها و رفع الدعم عنها . وترسيخ قواعد اقتصاد السوق و تشجيع الاستثمار الخاص الأجنبي و المحلي مع تعميق الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد الوطني و منها إعادة هيكلة مؤسسات الدولة و إعادة تجديد دور الدولة و إعطاء أولية لبعض القطاعات و الإسراع في الإصلاحات مع تحرير التجارة الخارجية و تنوع الصادرات خارج مجال قطاع المحروقات .
وعليه وافق صندوق النقد الدولي على هذه الإستراتيجية بمنحة مساعدة مالية مقدرة ب 731،5 مليون حقوق سحب خاصة (17) و تخصيص أكثر من مليار لدعم برنامج التعديل الهيكلي ، مما أدى بالجزائر إلى استرجاع ثقة المؤسسات المالية العالمية و تمت إبرام عدة اتفاقيات من أجل إعادة جدول ديونها حسب الجدول الزمني يبدأ في سبتمبر 1994 و ينتهي في مارس 1995 .
اما الوصفة التي قدمت للجزائر التى تندرج ضمن الاتفاقية التي أبرمت بين الحكومة الجزائرية و صندوق النقد الدولي و ذلك في ماي 1995 بعد أن تم التقارب من أجل إعادة التوازنات و النهوض بمعدلات النمو و تخفيض معدلات التضخم و إعداد برنامج نموذجي مما سمح للجزائر بالاستفادة من قرض ب 1،70 مليار دولار من أجل دعم الإصلاحات الهيكلية المبرمجة على المدى المتوسط (19) يتم التسديد على مدى 10 سنوات مع الإعفاء لمدة 5 سنوات من الفائدة .
ثالثا: الإجراءات الموضوعة للجزائر ضمن برنامج التعديل الهيكلي بما فيها الإجراءات المصاحبة .
- إن الجزائر أخذت على عاتقها بعض الإصلاحات خلال مرحلة تطبيق برنامج التعديل الهيكلي نذكر منها :
1 - إصلاح المنظومة المالية :إن الانتقال من اقتصاد الموجه إلى اقتصاد السوق جعل الجزائر تقدر إدخال تغييرات جذرية على المنظومة المالية و قد اتخذت الإجراءات التالية:
ا- إعادة التوازن النسبي للأسعار من خلال تخفيض قيمة الدينار
ب- توسيع وعاء الرسوم على القيمة المضافة و خاصة على المنتوجات البترولية سنة 1997 مع رفع الضريبة على الأرباح المعاد استثمارها من 5 % إلى 33 %بالنظر إلى توحيد ازدواجية ضريبة الشركات ، إلغاء كل الإعفاءات على الضريبة على الفوائد المحصل عليها من سندات الخزينة .
ج- إلغاء إعانات الاستهلاك و اتباع سياسة نقدية محكمة .
د- فحص جميع النفقات العامة بالتعاون مع البنك العالمي بداية من سنة 1996 و إن تقليص النفقات جعل العجز الكلي للخزينة ينتقل من 8.7 % من الناتج الداخلي الخام لسنة 93 إلى 2.4% لسنة 1997
ه- استبدال علاوة البطالة بنظام ذو منفعة حددت قيمتها ب 1200دج .
و- إنشاء الصندوق الوطني للتأمين عن البطالة و إلغاء تعويضات التسريح .
2- الإصلاح النقدي و المالي : ارتكز برنامج التعديل في هذا الجانب على الإجراءات المتعلقة بأسعار الفائدة أي تكاليف النقود إضافة إلى تنظيم القطاع المالي حيث تم تحديد الأهداف التالية :
ا- التطهير الكلي للاقتصاد من خلال نظام جديد .
ب- إنشاء سقف معدل المديونية البنكي ووضع سقف لهامش البنك يصل إلى 5 % مع إنشاء معامل احتياط إجباري ب %3 على الودائع البنكية واحتياطات تعويضية حتى %11 سنويا مع مراقبة الحسابات البنكية التجارية العمومية بالتعاون مع البنك الدولي .
ج- الحد من تمويل المؤسسات العمومية من الخزينة العامة و حث هذه المؤسسات على رفع رأسمالها من الموارد لدى البنوك
د- تنمية السوق النقدية وذلك بوضع نظام مزايدة لديون البنك المركزي و سندات الخزينة و نظام عمليات السوق المفتوح و إعادة رأسملة البنوك التجارية و ذلك من خلال السماح للشركاء بالمساهمة و قد تم إنشاء عدة بنوك خاصة منها union bank ,citibank….
و- إصلاح القطاع البنكي و ذلك بإنشاء مجموعة من المؤسسات الجديدة لتستجيب بشكل أفضل للاحتياطات الخاصة لبعض القطاعات .منها إعادة هيكلة الصندوق الوطني للتوفير و الاحتياط و إدماجه في النظام البنكي و تأسيس عدد من الهيئات المالية الجديدة التي من شأنها أن تدعم إمكانيات تحويل نشاطات البناء و كذلك شركة الضمان العقاري هدفها جعل البنوك أكثر اطمئنانا في منح قروض السكن و صندوق الضمان و الكفالة التعاونية للشرطية العقارية .و مشروع إنشاء شركات استثمارية مع العربية السعودية و الإمارات العربية وكذلك إنشاء صندوق المشاركة الفلاحية و جمعية البنوك و المؤسسات المالية حيث تهتم هذه الجمعية بالتخطيط من أجل تطوير الوظيفة البنكية وتم التحضير لإنشاء سوق مالية ابتداء من سنة 1996.
3 - تحرير الأسعار : بدأت الجزائر في تحرير معظم الأسعار و منها الأسعار الفلاحية الوسيطية و مواد البناء ، كما ألغيت هوامش الربح المؤقتة لجميع الأسعار ماعدا خمس مواد ( السكر ، الحبوب ، الزيت ، اللوازم المدرسية و الأدوية ) في سنة 1994 أما في سنة 1995 تم إلغاء مراقبة هوامش الربح و إلغاء تقنين أسعار السكر و الحبوب عدا القمح ، الزيت و الأدوات المدرسية .و على هذا الأساس نجد أن بين 1994-1996 ارتفعت أسعار المنتوجات الغذائية البترولية إلى ما يقارب 200 % تماشيا مع الأسعار العالمية بعدما كانت هذه المنتوجات قبل 1994 كان يسودها نظام الأسعار المدعمة ،
4- التجارة الخارجية :إن تسوية سعر الصرف من أهم معايير الأساسية لبرنامج التعديل الهيكلي حيث ركزت الجزائر(22) اهتمامها على حرية دخول العملة الصعبة لتمويل صفقات التجارة الخارجية و إلغاء احتكار الدولة لعملية استيراد المواد الاستراتيجية إلى جانب تشجيع القروض من أجل الاستيراد في متناول المتعاملين الاقتصاديين الخواص و من أهم الإجراءات المتخذة في سبيل تطوير التجارة الخارجية ما يلي
1-الإجراءات الخاصة بنظام الصرف وذلك بتخفيض سعر الدينار بالنسبة للدولار بين أفريل و سبتمبر 1994 بنسبة 50 % و إنشاء مكاتب للصرف ووضع سياسة من شأنها ضمان المنافسة الخارجية وإنشاء نظام جديد للحصص بين بنك الجزائر و البنوك التجارية .
2- الإجراءات الخاصة بتحرير التجارة و المدفوعات الخارجية و منها إلغاء كل أشكال منع التصدير للمواد باستثناء تلك المواد التي لها قيمة تاريخية و أثرية وإلغاء قائمة المواد الممنوعة من الاستيراد التي حددتها الجزائر في أفريل 1994 مع تحرير واردات العتاد المهني و الصناعي الغير الجديد و عدم تحديد قيمة المالية القرض الموجه لاستيراد سلع التجهيز مع ترخيص الدفع لنفقات ( التدواي بالخارج ، التعليم ، سفر الأعمال ، تحويل الأجور ، نفقات الاشهار ) مع تفويض من قبل البنك الجزائر و تحديد سقف الدفع و تخفيض المعدل الأعظمي لحقوق الجمركة من 60 % إلى 50 % سنة 1996 و من 50 % إلى 45 % في سنة 1997 .
5- تنمية القطاع الخاص إصلاح المؤسسات العمومية : هناك إجراءات أخرى صاحبت برنامج التعديل الهيكلي تهدف إلى ترقية القطاع الخاص من جهة و إدخال إصلاحات على المؤسسات العمومية إذ أن تشجيع الاستثمار الخاص تبنتها الجزائر من خلال قانون المالية التكميلي لسنة 1994 و ذلك بالسماح بالمشاركة الأجنبية في البنوك التجارية مع الترخيص ببيع المؤسسات العمومية و التنازل عنها لصالح مسيرين خواص و مساهمة الخواص في رأس مال المؤسسات العمومية و هذا في حدود
49 % ثم وسعت هذه المساهمة و أصبحت غير محدودة من خلال قانون الخوصصة (23) بينما أول برنامج لعملية الخوصصة كان في أفريل 1996 مدعما من طرف البنك العالمي و خصصت 200 مؤسسة عمومية محلية في مجال الخدمات ، و لقد لعب إصلاح المؤسسات العمومية دور هام حيث انتقلت من نظام صناديق المساهمة إلى نظام آخر إلى شركات قابضة عمومية (24)
6- قطاع الفلاحة : من بين البرنامج الموصوف للجزائر هو الاهتمام بهذا القطاع ويتجلى ذلك من خلال برنامج الحكومة لسنة 1997 و الذي يهدف إلى (25) :
1- إعادة النظر في تسيير القطاع من خلال تطهير النزاعات الفلاحية (26) و تسويتها و إصدار قانون التوجيه العقاري و المحافظة على الأراضي الرعوية و تشجيع تنميتها و الأخذ بعين الاعتبار حق الانتفاع لمربي المواشي و إعطاء تسيرها للجماعات المحلية بمشاركة المنظمات المهنية مع تشجيع استغلال الأراضي الفلاحية التابعة للخواص
2- تنشيط الإنتاج الفلاحي و ذلك من خلال استخدام مقاييس تقنية حديثة في الزراعة تتكيف مع الظروف المناخية و الفلاحية و هذا بتبني مجموعة من البرنامج و تطور الميداني للاستثمار الفلاحي عن طريق التعاون و القروض ، البيع الايجاري و ترقية الجانب المهني الفلاحي و حماية مداخيل فلاحية مع تحسين الخدمات الفلاحية بترقية التشاور مع الغرق الفلاحية و المنظمات المهنية و ذلك بالتحكم في قدرات المراقبة و التموين و تطوير قدرات التخزين و الإبداع و الابتكار.[/size]
3-العمل على التنمية الدائمة و ذلك عن طريق تثمين الموارد و الحفاظ على الأوساط الطبيعية لأن الجزائر مناخها جاف و شبه جاف و عليها الاختيار ما يناسب هذه البيئة حتى يتم تطوير المنتجات الفلاحية و الاستغلال الأمثل للإمكانيات المتوفرة و تجاوز معدلات المردودية الضعيفة في الإنتاج الفلاحي .
7 - قطاع السكن : إن إصلاح هذا القطاع سيلزم مجموعة من الإجراءات و ذلك من أجل تحسين الوضع الاجتماعي للفرد الجزائري و قد وضعت الجزائر استيراتجية وطنية للسكن 1996خصوصا في مجالات التعمير والعقار و التمويل فالتعمير هو استكمال المنظومة التشريعية الخاصه بتسيير قطاع العقار القابل للتهيئة العمرانية و ذلك من خلال إقرار الحقيقة الاقتصادية و الشفافية في المعاملات العقارية و تعيين الأراضي القابلة للتهيئة العمرانية واستكمال إعداد خطط التهيئة و المقدرة ب 600(27) خطة منها 300 خطة تستكمل قبل نهاية 1997 كما أن إعادة هيكلة مناطق السكن المؤقتة و تهيئة القطاعات المهيأة من الناحية العمرانية و ترقية السكنات المبنية مع تعزيز الرقابة على البناءات الغير شرعية تلك هي الإصلاحات أدخلت على مستوى المنظومة المالية من تشجيع الاستثمار الخاص و تنظيم السوق العقاري مع تحويل الصندوق الوطني للتوفير و الاحتياط إلى بنك السكن بالإضافة إلى إنشاء صندوق لضمان الرهون على القروض و إنشاء إعادة التمويل من شأنها أن تكثف إشراك النظام المالي في البناء بالإضافة إلى إنشاء صندوق للتخفيف من قيود المتعاملين أمام التمويل العمومي و يسمى بصندوق ضمان الصفقات العمومية .
رابعا : تقييم برنامج التعديل الهيكلي
إن مهام الصندوق النقد الدولي متابعة و تقيم ما توصلت إليه الدولة المطبقة لبنود هذا البرنامج و نجد أن طريقة التقييم للتعديل الهيكلي لابد و أن تمر بالنسبة للإنتاج الداخلي الإجمالي لأن هذا الأخير مرتبط بعدة مؤشرات اقتصادية أخرى منها المديونية الخارجية و مستوى الأسعار ، مستوى الإيرادات العامة ، الواردات ، النفقات العامة ، احتياطي الصرف ، إعادة التوازن التجاري ، ويرى خبراء الصندوق أن توازن ميزان المدفوعات و تسديد الديون هما مؤشران قويان على نجاح تطبيق سياسة التعديل الهيكلي و نجد أن الصندوق في تقييمه لتنفيذ برامجه طريقة المحاكاة simulation و الطريقة المقارنة بين بلد و عدة بلدان أخرى .
إن الدولة الجزائرية بذلت جهودا كبيرة في إنجاح برنامج التعديل الهيكلي و قد صرحت في الكثير من المناسبات أنها وصلت إلى النتائج الملموسة في ميادين التوازنات الاقتصادية الكلية و تمكنت من التحقيق من نسبة التضخم ، إلا أن خبراء صندوق النقد الدولي و البنك العالمي يعترفون بأن تطبيق برامج التعديل الهيكلي له أثار سلبية و بخاصة في المجال الاجتماعي و خاصة ما يمس عمال القطاع العام و الموظفون في القطاع الحكومي ومن دون الدخل المحدود ، و العاطلين عن العمل ، و الأسر الفقيرة ، عمال القطاع الفلاحي و غيرها .........…, حيث كتبت إحدى العاملات بالبنك الدولي
" و لما كان التكيف بالتالي يتضمن عادة تخفيضا في مجموع الطلب و تغيرات في الأسعار النسبية لعوامل الإنتاج و للمنتجات و تحولا في تخصيص الموارد فإن هذا ستتبع بالضرورة تكاليف ، مثلا في شكل تقليل الاستهلاك ، و تخفيض الاستثمار أو الإبعاد المؤقت للعمل ، زيادة البطالة " (28) و رغم وجود هذه الآثار إلا أن خبراء الصندوق يصرون على تطبيق هذا البرنامج حاليا أحسن من تطبيقه مستقبلا لأن آثاره المستقبلية تكون أكثر سلبية من الوقت الحالي إلا أن تصاعد موجات النقد الموجهة لتلك البرامج بسبب هذه الآثار بدأت بعض المنظمات الدولية تتحدث عندما يسمى بالتكييف ذوي الوجه الإنساني Dimension social d’ajustement و إعادة النظر في المجتمعات الفقيرة و إعطاء المساعدات لها للتخفيف من هذه الآثار السلبية للتكييف و هذا ما جعل البنك العالمي يقترح بعض الحلول منها شبكات الآمان الاجتماعي و تأسيس صناديق التعويضات و تكافئ الفقر و خاصة في الأرياف .
خامسا: آثار سياسة التعديل الهيكلي في الجزائر
إذا كان مهام التعديل الهيكلي هي تصليح الإختلالات الاقتصادية المختلفة من أجل النهوض بسياسة التنمية الاقتصادية و الإنعاش الاقتصادي و إن تطبيق برنامج التعديل الهيكلي لمدة أربع سنوات في الجزائر أعطى بسياسة اقتصادية جيدة لكنه لم يعطي سياسة تنموية دائمة حيث كانت نتائجه على النحو التالي و هذا حسب القطاعات :
1- القطاع الصناعي : إن مؤشر الإنتاج الاقتصادي تقلص بحوالي 11 نقطة من سنة 1994 إلى 1997 وكان الإنتاج الحرفي التقليدي قد تقلص ب 21 نقطة ، حيث سجل تحسن مؤقت في قطاعين ، قطاع الطاقة و المحروقات و قطاع البناء (انظر الجدول رقم 2 ) و إذا أخذنا سنة 1989 كمؤشر نجد أن قطاع صناعة الجلود و الأحذية انخفضت ب 53 نقطة سنة 1997 و ذلك نتيجة المنافسة من القطاع الخاص و خاصة أن الجزائر تعهدت بفتح أسواقها للمنتوج الخاص الداخلي و الخارجي و تسهيل عملية الاستيراد و التصديران قطاع الصتاعة الذي يعتبر النواة الأساسية للقطاع الصناعي في الجزائر قد انخفض إنتاجها بنسبة 50 % بين سنة 89 و 97 حيث سجلت أكبر نسبة بين 94-97 حيث كانت النسبة 30% مما أدى إلى تعطيل نسبة كبيرة في الآلات الإنتاجية و منها العمل على تخفيض الديون و توقفها نهائيا و هو هدف التعديل الهيكلي (انظر الجدول رقم 3 ) يبين تطور استعمال طاقات المؤسسات الصناعية العمومية حسب القطاعات ، و أصبحت هذه المؤسسات غير قادرة على تصليح آلاتها الإنتاجية أو تجديدها و ذلك نتيجة تخلي الدولة على تمويل هذه المؤسسات سواء عن طريق الدعم أو الاقتراض .أما معدل نمو الإنتاج الصناعي في فترة التعديل الهيكلي كان سلبيا بنسبة 1.4 % سنة 1995 وقد واصل في تدهور حتى بلغ 8.7 % في السنة الموالية و هذا راجع إلى عدم تأقلم المؤسسات الصناعية مع البرنامج المطبق ، لكن انعكاسات هذه الإجراءات بدأت تظهر مع مطلع 97 و نجد أن صناعة الحديد و الصلب و الصناعات الميكانيكية و الكهربائية تتحمل القسط الأكبر من هذا التقهقر نظرا لوزنها في ميدان الصناعة كما نشير أن رغم هذا التدهور فإن القطاع الصناعي خقق 80 % من الأهداف التي سطرها لسنة 1997 ، أما السداسي الأول لسنة 1998 و هي سنة نهاية تطبيق إجراءات سياسة التعديل الهيكلي ، نجد أن القطاع الصناعي العمومي تمكن من تحقيق نمو قدره 5.2% و نتيجة لتحسن وضعية الفروع الصناعية المتعلقة بقطاع الكيمياء ، الصيدلة ، الأسمدة ب 34.2% ، الكهرباء و الإلكترونيك ب 14،3% و قطاع الصناعات الغذائية الزراعية ب 11.3 % و قطاع مواد البناء و الزجاج
ب 4.6%.
2- الهيكلة المالية للمؤسسات : إن برنامج التعديل الهيكلي يهدف إلى رفع حماية الدولة للمؤسسات العمومية و بالتالي كان لازما على المؤسسات الاقتصادية ، التكييف مع المحيط الجديد ( تحرير الأسعار ، نسبة الفائدة ، المنافسة ....) حيث أن المؤسسات الاقتصادية العمومية انتقل عجزها المالي من 90 مليار دينار لسنة 95 إلى 113 مليار سنة 1996 أي تمثل 28% من رقم الأعمال ، أي متوسط 3،4 شهر من الإيرادات (29) و بالتالي كان لازما إعادة هيكلة خزينة المؤسسات و (انظر الجدول رقم 4 ) يبين حالة خزينة المؤسسات العمومية و نلاحظ من خلال الجدول حالات التالية :
1-القطاع الوحيد الذي له إمكانيات توفير سيولة نقدية و خزينة إيجابية هو قطاع البناء و ذلك نتيجة تحديد سعر توازني الإسمنت في السوق رغم وجود الإسمنت الأجنبي مما أدى إلى وجود الأرباح بهذا القطاع .
2- - قطاع الصناعات الغذائية الزراعية استطاع أن يعدل من خزينته سنة 96 إلى غاية السداسي الأول لسنة 1998 .
3-تحسين حالة قطاعات الصيدلة و الكيمياء و الأسمدة و المواد الكيميائية بداية من السداسي الأول لسنة 1998.
4-كل القطاعات الأخرى لها عجز في ميزانيتها تقدر حسب خبراء الصناعة ب 0،6 شهر من رقم أعمالها .
إن عجز ميزانية المؤسسات أثر بطريقة مباشرة على إنتاج و تسيير و خاصة فيما يخص زيادة التكاليف المصرفية و هذا ما جعل المؤسسات الاستنجاد بالبنوك من أجل الاقتراض إلا أن هذا الطلب لم يكن له الصدى الإيجابي من قبل المؤسسات المالية الجزائرية و هذا راجع للالتزامات الدولة اتجاه الصندوق النقد الدولي القاضي بعدم زيادة القروض الداخلية للمؤسسات العمومية مما أثر سلبا على استمرار بعض المؤسسات و أعلنت إفلاسها و توقفت عن الإنتاج و إذا رجعنا إلى حقيقة عجز هذه المؤسسات الاقتصادية التي يمكن أن نستخلص ما يلي :
1-وجود كمية من الإنتاج المخزن سواء السلع المصنعة أو المواد الأولية لدى هذه المؤسسات و عدم إيجاد أسواق له و ذلك نتيجة دخول المنافس لهم من القطاع الخاص المحلي وأجنبي
2-نقص الطلب على المنتوج الجزائري المصنع من قبل المؤسسات الاقتصادية العمومية نتيجة جودته الرديئة ، صعوبة التصدير ...إلخ .
3-خسارة المعاملات التبادلية المصرفية حيث وصلت إلى حوالي 60 مليار دينار لجميع القطاعات الصناعية في نهاية 1995 نتيجة إعادة النظر في سعر الفائدة و تدهور قيمة الدينار .
4-ارتفاع نسبة المخزونات إلى رقم الأعمال حيث تمثل 29% من المبيعات في سنة 1995 ، 25 % سنة 1996 و 22 % في نهاية سبتمبر 1998 .
5-ضعف التصدير حيث لم يصل إلى حد 4 % في كل هذه السنوات و(انظر الجدول رقم 5 ) يبين حالة المخزون .
نلاحظ مما سبق بأن قطاع(30) الصناعة كان ضحية لبرنامج سياسة التعديل الهيكلي و ذلك نتيجة التخلي عن فكرة التصنيع الحقيقي و عدم ملائمة المشروع الجزائري مع المقتضيات تلك الفترة و حجم المديونية الكبيرة و آثار سياسة الصناعات الثقيلة المنتهجة سابقا .كما أن سياسة التطهير للمؤسسات العمومية و ذلك من خلال إنشاء الشركات القابضة في نهاية سنة 1996 التي أدت إلى تجمع مؤسسات قطاعية .إن هذا النظام الجديد يفرق بين المؤسسات المهيكلة و القابلة للاستمرار و بين المؤسسات الغير قابلة للاستمرار في الإنتاج فالمؤسسة القابلة للاستمرار في الإنتاج تمت بموجبها إعادة جدولة ديونها في المدى المتوسط أما المؤسسة الثاني و التي كانت تستهلك أكثر من ثروتها فكان من المستحيل إثراء عوامل الإنتاج و بالتالي مما أدى إلى غلقها فيما بعد .ونجد ان المؤسسات العمومية التي مسها هذا النظام الجديد قدر ب 768 مؤسسة منها (31)
399 مؤسسة تم تمويلها من قبل بخزينة عمومية و ذلك بإعادة مديونيتها على المدى المتوسط .
38 مؤسسة تم إحالة ملفاتها إلى البنوك لدراستها .
193 مؤسسة حالتها المالية متغيرة و جيدة .
138 مؤسسة تتدخل الخزينة العمومية في الجانب الاجتماعي
هذا النظام الجديد ترتب عنه أموال قدرت ب 160.3 مليار دينار ( 100.3 مليار دينار دعم البنوك للمؤسسات ، 60 مليار من الخزينة العامة للدولة ) .
إن الحصيلة للسداسي الأول سنة 1998 ، تبين حل أكثر من 800 مؤسسة منذ 1994 و تسريح 212960 عامل بالإضافة إلى التسريح الإداري بعدد 50700 عامل أما عدد العمال الذين أحيلوا على البطالة التقنية 100840 مما يبين الآثار المترتبة عن سياسة إعادة هيكلة المؤسسات و (انظر الجدول رقم 6 ) يبين تسريح العمال خلال 4 سنوات ، إن نسبة العمال المسرحين تمثل حوالي 5% من عدد السكان العاملين ( 4.7 مليون عامل ) حسب إحصائيات سنة 1997 مما يوضح أن إعادة هيكلة المؤسسات أثرت على العمل و ما إن أضفنا عدد العمال الذين أحيلوا على التقاعد المسبق و كان عددهم 26400 نجد أن نسبة العمال المسرحين أكثر من 6 % من عدد إجمالي للطبقة الشغيلة و الملاحظ أن قطاع البناء و الأشغال العمومية كانت له حصة الأسد حيث قدرت نسبة التسريح 60.2 % بالإضافة إلى قطاع الخدمات ب 20.7 % و إن حصيلة المؤسسات التي تم حلها بلغت ما بين سنة 94-98 عدد 815 مؤسسة ، 83 % مؤسسات محلية عمومية و 16 % مؤسسة عمومية اقتصادية (انظر الجدول رقم 7 ) يبين عدد المؤسسات المنحلة .
3- القطاع الفلاحي :تشكل الفلاحة قطاعا جوهريا في الاقتصاد الوطني و يشغل هذا القطاع قرابة 25 % من إجمالي عدد العمال و يشارك بنسبة 12% في الناتج الداخلي الخام (32) وحقق ، 12.8% سنة 1998 من القيمة الإجمالية المضافة بعدما كان في سنة 1987 بنسبة 8.7 % أي ما يقابل 147 مليون دينار سنة 1993 و إذ ما قارناه بالقطاع الصناعي لنفس الفترة كان 120 مليون دينار و في الفترة 1984-1993 قد خلفت حوالي 30.000 منصب تشغل و تحت تأثير إعادة هيكلة القطاع سنة 1987 نجد أن الإنتاج الفلاحي الصناعي تضاعف ثلاث مرات بين 1988-1994 حيث أن الفواكه تمثلت ب 53 % ، الحمضيات 26 % ، الخضر الفصلية 16% اللحوم الحمراء 36 % و نجد أن إنتاج الحبوب تقهقر حيث كانت النسبة 22 % و عمليات السقي 45 % ، الحبوب الجافة 14 % ، اللحوم الحمراء ب 7 % و معنى ذلك أن الإنتاج الإستراتيجي بدأ يفقد توازنه ، الملاحظ أنه في سنة 1997 عرف القطاع الفلاحي تراجعا ب 10،4 % مقارنة مع سنة 96(33) وهذا نتيجة عوامل خارجية مثل الجفاف إضافة إلى قلة المساحات المستعملة و المستغلة في هذه السنة ، إلا أنه في بداية 1998 بدأ الانتعاش في هذا القطاع حيث بلغت نسبة النمو 10،5% و يعود بالدرجة الأولى إلى الزيادة المسجلة في نسبة الحبوب في ذلك الموسم حيث قدرت ب24.5 % مقارنة بموسم سنة 1997 حيث قدرت ب36% مقارنة بمعدل الإنتاج في السنوات العشر الماضية ، إن سياسة التعديل الهيكلي المطبق في القطاع الفلاحي لم يراعي الظروف الاقتصادية و الاجتماعية لهذا القطاع و لا في الحالات الداخلية و الخارجية المؤشرة فيه و رغم الإصلاحات التي قامت بها الحكومة للنهوض بهذا القطاع و خاصة سياسة تحرير الأسعار التي لم تعطي ثمارها المرجوة و بقيت الجزائر على حالها فيما يخص وارداتها الغذائية و رغم سياسة جدولة الديون الخارجية إلا أن الواردات من المواد الغذائية بلغت 30 % سنة 1995 بعدما كانت تمثل في سنة 1985 25.5 % ووصلت في سنة 1997 إلى 29.3 % و خلال السداسي الأول من سنة 1998 ، 28 % حيث أن نسبة الواردات من الحليب و مشتقاته بلغت 60 % من مجموع الواردات الغذائية مما يوحي بأن القطاع الفلاحي لا يلبي إلا 33 % من الحبوب و 40 % من الحليب و مشتقاته و 11% من الحبوب الجافة و 74% من اللحوم الحمراء ،65% من الفواكه (34).
4- التفتح الاقتصادي والتجارة الخارجية:
إن قانون النقد و القرض ( أفريل 90) الذي فتح السوق الجزائرية إلى المتعاملين الجزائريين و الأجانب و لعمليات التصدير و الاستيراد ، لأن التصدير أصبح اختيار استراتيجي للمؤسسات الجزائرية و ذلك حتى تبقى على مفهوم الاستمرارية لأن السوق المحلي هو سوق ضيق، كما أدى قانون القرض و النقد إلى التنمية السريعة في عدة مجالات منها المواد الغذائية و قطع الغيار و غيرها و هذا مما أدى إلى زيادة الفجوة بين القطاع التجاري و القطاع الصناعي حيث اتجه الصناعيين إلى احتراف التجارة و ذلك لقلة المخاطرة بالمقارنة بقطاع الصناعة و الجدول 7 يبين مدا خيل الصادرات و المتعاملين في العمليات .
5- الخوصصة : أظهرت الدراسات التي أعدها مجموعة من الخبراء على أن نتائج الخوصصة للمؤسسات المحلية الغير مستقلة تم حلها بين 94 و 96 تكاد تكون منعدمة حيث وصلت نسبة النجاح إلى غاية 8 ماي 1998 إلى أقل من 5 % أي من بين 2715 نشاطا اقتصاديا لم تحقق سوى 116 (35) عملية للخوصصة و تم حل 825 مؤسسة منها 696 أصبح ملك للعمال على حساب 1323 مؤسسة عمومية محلية ، إن بيع المؤسسات للعمال حسب العدد 10.000 أجير من بين 50.000 أجير أي حوالي 20 % أما المؤسسات العمومية الاقتصادية فلم يتم خوصصتها التي كان عدد 350 مؤسسة في هذه الفترة ماعدا مؤسسة رياض سطيف التي فتح رأسمالها للرأسمال الخاص .
و من خلال هذه المعطيات يبدو واضحا أن العملية تعرف تأخرا كبيرا قد يعود إلى عدم اهتمام المتعاملين الخواص بهذه المؤسسات المحلية لعدم توفرها على ممتلكات مادية قابلة للتطور أو الاستثمار فيها مستقبلا أما بالنسبة لعدد المؤسسات الصغيرة و المتوسطة فقد قدرت في سنة 98 بحوالي 176650 مؤسسة منها 50% تنشط في قطاع الصناعة و 18% في قطاع الخدمات و 24 %في قطاع البناء و الأشغال العمومية و الري و يذكر أن مساهمات هذه المؤسسة في الإنتاج الوطني الخام تجاوز 20 %
6- قطاع الخدمات : إن هدف الخدمات العامة هي تحقيق المنفعة العامة هي من مهام الدولة الجزائرية التي تبنت سياسة التكفل الاجتماعي و تطبيق سياسة العدالة الاجتماعية من خلال مختلف الدساتير و إن مجانية بعض الخدمات مثل التعليم ، الصحة ..... هي ما كلفت الخزينة العمومية أموالا لا يستهان بها و إن سياسة التعديل الهيكلي الذي[/size]